هل التبرج مبطل للصوم ؟. الحمد لله
أولاً :
شرع
الله تعالى الصيام لحكم عظيمة ، ومن أهم هذه الحكم والمصالح المترتبة على
الصيام تحقيق تقوى الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
والتقوى هي امتثال ما أمر الله به ، واجتناب ما نهى عنه .
فالصائم
مأمور بفعل الطاعات ، منهي عن فعل المحرمات نهيا مؤكدا ، فإن المعاصي
قبيحة من كل أحد وهي من الصائم أشد قبحا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ
فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري
(6057) .
وروى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب
إنما الصيام من اللغو والرفث ) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(1082) .
قال عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ
رضي الله عنهما : لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ
; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ , وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ .
وقَالَ جَابِرٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ ,
وَبَصَرُكَ , وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ , وَدَعْ أَذَى
الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ ,
وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً . وعَنْ طَلِيقِ
بْنِ قَيْسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا
اسْتَطَعْت . فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ (يعني
بيته) فَلَمْ يَخْرُجْ إلا إلَى صَلاةٍ .
وكَانَ أَبُو
هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي
الْمَسْجِدِ وَقَالُوا : نُطَهِّرُ صِيَامَنَا . انظر : "المحلى" (4/305)
وقال بعض العلماء :
يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ
بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا يَحِلُّ ، وَبِسَمْعِهِ فَلا
يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ ، وَبِلِسَانِهِ فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا
يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ . فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا
الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين ، وتفتح فيه أبواب ...
انظر : "المحلى" (4/305)
وقال بعض العلماء :
يَجِبُ
عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا
يَحِلُّ ، وَبِسَمْعِهِ فَلا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ ، وَبِلِسَانِهِ
فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ .
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين ، وتفتح
فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل
، ويا باغي الشر أقصر ، فينتهز المؤمن هذا الشهر ليكون أقرب إلى الله ،
فيتوب توبة نصوحا من كل ذنوبه ومعاصيه ، ويعاهد الله تعالى على الاستقامة
على دينه وشرعه .
ثانيا : والمعاصي ( ومنها تبرج المرأة وإظهارها
زينتها ومفاتنها للرجال الأجانب عنها ) تنقص ثواب الصيام فكلما كثرت
معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه ، وقد يزول ثوابه بالكلية ، فيكون قد منع نفسه
من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله ، ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ
صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ
إِلا السَّهَرُ ) رواه ابن ماجه (1690) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال السبكي في فتاويه (1/221-226) :
هَلْ يَنْقُصُ الصَّوْمُ بِمَا
قَدْ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ لا ؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ
فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُصُ وَمَا أَظُنُّ فِي ذَلِكَ خِلافًا . . .
وَاعْلَمْ
أَنَّ رُتْبَةَ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ قَدْ تَكُونُ بِاقْتِرَانِ
طَاعَاتٍ بِهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ
وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتٍ . فَكُلُّ ذَلِكَ
يَزِيدُهُ كَمَالا وَمَطْلُوبٌ فِيهِ اهـ . باختصار . ثالثا :
وأما
إفساد الصيام بالمعاصي (ومنها تبرج المرأة) فإن الصيام لا يفسد بذلك بل
يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم ، ولا يؤمر بقضائه ، ولكن ينقص ثواب
الصيام بفعل المعصية ، وقد يذهب ثوابه بالكلية كما سبق .
قال النووي في "المجموع" (6/398) :
(
يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْغِيبَةِ
وَالشَّتْمِ ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ
الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ , وَإِلا فَغَيْرُ
الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ ...
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص358) : هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد صومه ؟
فأجاب :
"إذا
قرأنا قول الله عز وجل: ( يا أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي
التقوى ، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به
وترك المحظور ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور ،
والعمل به ، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) . وعلى هذا يتأكد
على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال ، فلا يغتاب الناس ، ولا
يكذب ، ولا ينم بينهم ، ولا يبيع بيعاً محرماً ، ويجتنب جميع المحرمات .
وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام ، ولكن
المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم ، فهم على
العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره ، ولا تشعر أن
عليه وقار الصوم ، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام ، ولكن تنقص من أجره ،
وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم" اهـ .
و الله أعلم